24 نوفمبر 2024 | 22 جمادى الأولى 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د. عبد العزيز الفايز : لا يُقدِّر نعمة الأمن إلا كل من فقدها

02 ديسمبر 2014

إذا أرادت أمة أن تحقق لنفسها ازدهارا حضارياً فلابد أن يتوافر لديها قدر عال من الأمن على المستوى الفردي والمستوى الاجتماعي، وذلك وفق ما شهد به التاريخ وأكدته تجارب الشعوب ذات الحضارات العريقة، فلا إبداع من دون استقرار، ولا نهضة علمية أو اجتماعية من دون أمن أو طمأنينة، فالأمن هو أحد أهم الأسس التي يقام عليها صرح الحضارات، وهو السمة التي يتميز المجتمع المتقدم والأمة الواعدة التي تدرك ما ينطوي عليه المناخ الآمن من عناصر فاعلة تقود إلى صنع مجتمع حضاري متقدم يحظى بالاستقرار وينعم بالسكينة ويتفيأ ظلال الأمن وحياة الرفاهية، ومن ثمَّ فإن التفاتنا إلى أهمية الأمن واجباً و ضرورة ملحة يفرضها علينا ـ نحن العرب والمسلمين ـ ديننا الحنيف وأمتنا المجيدة التي جعلها الله تعالى خير أمة أخرجت للناس.

 

     ولقد اهتم الإسلام بالأمن غاية الاهتمام واعتبره هدفاً لذاته ، ودعا إلى المحافظة على الأمن بكافة جوانبه؛ الأمن للدين، الأمن للنفس، الأمن للمال، الأمن للعرض والنسل، وهذه هي الضروريات الخمس التي جاء الشرع لحفظها وجاءت لحفظها جميع الشرائع، إن الإسلام يعتبر الأمن نعمة وفضلاً، لأنه عامل من أهم عوامل الراحة والسعادة لبني الإنسان في الحياة، يتحصنون به من شيوع الفوضى، وينعمون في ظله بنعمة الهدوء والاستقرار.   

      يقول الدكتور عبد العزيز بن داوود الفايز – دكتوراة في الدراسات الإسلامية ومدير عام إدارة الأوقاف والمساجد بمكة المكرمة سابقا: لقد أكرمنا الله جل وعلا بنعم كثيرة، أكرمنا الله بنعمة الأمن والاستقرار، يسافر الإنسان ويتنقل وهو آمن، يأمن على نفسه وعلى ماله وعلى أهله وولده، ثم أمرنا سبحانه أن نشكره، ووعدنا بالزيادة، وأمرنا أن نتحدث بنعمه (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) الضحى11، فالتحدث بنعم الله هو شكرٌ لها، نتحدث بنعم الله ونسأله الزيادة ، ونتأمل في أن الأمن سبب في الاستقرار، وأنه سبب لأن يؤدي الناس مصالح دينهم ودنياهم (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) البقرة126، نتأمل في حقيقة أن إبراهيم سأل الله الأمن قبل الرزق، لأن الأمن سبب في حصول الرزق، وأن الرزق لا طعم له إذا فُقِد الأمن، إذا ما فقد الأمن لن يهنأ الإنسان بأكل ولا نوم، والله سبحانه وتعالى يقول في سورة قريش: "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4)"، والرَسُولُ الكريم  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:  "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها" رواه الترمذي وابن ماجه، فعلينا أن نشكر الله على هذه النعمة العظيمة، وأن نحافظ عليها، وأن نتقي الله وندعو الله بصدق وإخلاص أن يحفظ علينا ديننا وأمننا وأن يجنبنا الفتن.

   من ناحية أخرى، يرى الشيخ عبد العزيز الفايز أن من أسباب الأمن أن نتعاون على البر والتقوى، وأن نتمسك بالإيمان، ونَحذَر كل الحذر من كل ما يناقض التوحيد أو ينقص أجره، (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) الأنعام82، وأن نكثر من الأعمال الصالحة.

    ومن أسباب الأمن كذلك – كما يرى الفايز - الأمر بالمعروف واانهي عن المنكر، والتناصح فيما بين المسلمين، إذا رأى أحدنا تقصيرا، وأن يقوم كل شخص بمسئوليته؛ فالعلماء عليهم أمانة، والدعاة عليهم أمانة، والمربون أيضا، كلٌ عليه مسئولية أن يحصنون أولادهم من فتن الشبهات، ويعود فيؤكد أن على الجميع أن يؤدي دوره، حسب موقعه، وحسب مسؤولياته، يقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

   ويضيف الدكتور عبد العزيز أن نعمة الأمن لا يُقدّرها إلا من فقدها، فما نراه في بقاع كثرة من العالم حولنا من ترويع وسفكٍ للدماء، لأمر يحتم علينا أن نرفع أكفنا بصدق، داعين المولى عز وجل أن لا يحرمنا نعمة الأمن والأمان، وأن يحفظ علينا بلادنا، ويؤلّف بين قلوبنا، فهذه النعمة العظيمة لا يشعر بقيمتها إلاّ مَن أخذ يفكر بعقلانية في المشاهد المروّعة التي يراها يوميًّا على الشاشات، ويتأمل الإنسان نفسه، وهو ذاهب إلى المسجد في كل وقت يؤدي فرائضه بحرية تامة، فلا يملك إلا أن يحمد الله تبارك وتعالى على نعمة الأمن والأمان.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت